نموذج لخدمة المراجعة والتدقيق اللغوي، واحدة من أقدم اللغات الموجودة على سطح الأرض. فقد تخطى عمرها الألفي عام، وهي واحدة من عائلة اللغات السامية التي انتشرت على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط وشمال إفريقيا. وتضم هذه العائلة اللغة العبرية والأمهرية واللغة العربية من اللغات الحية، والقبطية والهيروغليفية من اللغات المندثرة.
نشأة اللغة العربية:
وقد نشأت اللغة العربية في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام بأكثر من خمسمائة سنة. وانتشرت في جزيرة العرب وتعددت لهجاتها حسب كل قبيلة من القبائل، ويبلغ عدد المتحدثين بها أكثر من مليار شخص. حيث لا يقتصر التحدث بها على سكان الوطن العربي وحدهم الذين يبلغ تعدادهم ما يقارب ثلاثمائة مليون شخص. بل هناك كثيرون من غير سكان الوطن العربي يتحدثون العربية.
وقد ارتبطت اللغة العربية بالدين الإسلامي منذ ظهور الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي. حيث أنها لغة العبادة مثل: الصلاة، وقراءة القرآن، والذكر. فوجب على كل مسلم على وجه الأرض أن يعرف شيئًا من اللغة العربية إذا أراد أن يصلي أو يقرأ القرآن الكريم.
واللغة العربية تجمع بين كونها لغة العبادة والدين الإسلامي والحضارة الإسلامية وبين كونها مزجت بين عدد من الحضارات التي اختلطت بالحضارة العربية مثل الحضارة الفارسية، واليونانية، والهندية، والمصرية القديمة. فقد أضافت اللغة العربية لهذه الحضارات رونقًا خاصًا بعد امتزاج الحضارة العربية بأهل هذه الحضارات لتخرج لنا خليطًا حضاريًا متميزًا وفريدًا ظل لفترة طويلة من الزمن محل تقدير واحترام. بل ومثار إعجاب ودهشة المهتمين بتاريخ الحضارات في العالم.
وقد ذاع صيتها في كل أنحاء العالم عندما كانت الحضارة العربية قائدة العالم فى الفترة من القرن السابع حتى القرن الرابع عشر الميلادي. فقد كانت العلوم تدرس باللغة العربية، وكان طلاب العلم يحرصون على تعلمها ودراستها. ليتعلموا العلوم التي تفوق فيها العرب.
أهمية اللغة في الحضارات:
وقد ساعدت اللغة العربية في الحفاظ على الكثير من كتب ومؤلفات اليونانيين والإغريق. الذين نقل عنهم العلماء والفلاسفة العرب كتبهم، وحفظوها للبشرية من الضياع والاندثار أمثال؛ أرسطو، وأفلاطون وغيرهما.
كما يرجع الفضل إلى اللغة العربية في كتابة الأرقام الحسابية المعروفة الآن، حيث كانت أوروبا تستخدم الأرقام اللاتينية فقد إطلع العرب على الأعداد الهندية. وقاموا بتنقيحها، وكونوا منها سلسلتين للأرقام الأولى هي المستعملة في أوروبا وكثير من دول العالم المعروفة بالعداد العربية. وهي 1-2-3-4 والثانية الموجودة في كثير من الدول العربية وهى 1-2-3-4. وتسمى الأعداد الهندية.
كما يتضح فضل اللغة العربية وتأثيرها على كثير من اللغات في العالم في انتشار كلمات عربية كثيرة في العديد من اللغات الأوربية. ويرجع ذلك لاختلاط العرب بسكان اسبانيا والبرتغال (الأندلس قديمًا) حيث كانت قرطبة مركز الإشعاع الحضاري في ذلك الوقت. كما ساهمت الحروب الصليبية في نقل كثير من الكلمات العربية إلى أوروبا.
وكما تنتشر اللغة العربية في الوطن العربي فإنها تنتشر في كثير من دول أفريقيا الواقعة داخل الصحراء الكبرى، وتحت خط الاستواء مثل: (مالي، وتشاد، واريتريا، ونيجيريا، وإثيوبيا، والنيجر، وغيرها ..) ويرجع ذلك لانتشار الإسلام في هذه الدول، كما تنتشر اللغة العربية والمصطلحات العربية بكثرة فى العديد من لغات الدول الأسيوية. مثل اللفة الفارسية (لغة إيران)، واللغة الكردية، واللغة الباكستانية واللغة الأفغانية. وكل هذه اللغات تستخدم الحروف العربية في كتابتها ورسم حروفها، وكذلك فإن اللغة التركية والألبانية في قارة أوروبا تنتشر بهما الكلمات والمصطلحات العربية. وان كانتا تكتبان بالحروف اللاتينية؛ ويرجع ذلك لانتشار الإسلام في تركيا ومنطقة البلقان.
ويعد القرآن الكريم المصدر الأساسي لقوة هذه اللغة ودليل على بقائها واحتفاظها بسماتها المميزة، وقد ساعد القرآن الكريم على الحفاظ عليها. وما زال هو العامل المؤثر في انتشارها ورواجها في أنحاء المعمورة، حيث يحرص كثير من المسلمين العرب وغير العرب على أن يحفظ أولادهم القران الكريم وهم في سن صغيرة. ولا يكون ذلك إلا باللغة العربية.
واللغة العربية معتمدة كلغة رسمية فى الأمم المتحدة منذ عام 1974 من الميلاد. حيث يبلغ عدد الدول العربية الأعضاء بالأمم المتحدة اثنتين وعشرين دولة تعد هيا اللغة الرسمية لها.
اللغة العربية على مر التاريخ:
وقد حافظت على مكانتها على مر التاريخ. وما زال انتشارها مستمر في العالم بسبب انتشار الإسلام وازدياد الرغبة في التعرف على حضارة العرب وتاريخهم. وكذلك التعرف على الدين الإسلامي، ويدل على ذلك كثرة الدارسين لها من غير المتحدثين بها. ورغم ذلك فقد وجهت الكثير من سهام النقد والهدم للغة بدعوى أنها لغة صعبة ومعقدة. وأنها لا تصلح لمجاراة العصر، وهي ادعاءات كاذبة الهدف منها تنفير الشباب والنشء من اللغة الأم وإبعاد أبنائها عنها.
إن تعلم اللغة أمر فطري، فالطفل يحاكي اللغة التي يسمعها، فمن هنا كان الواجب أن تتخذ أشكال تعليم اللغة ومناهجه طرقًا حديثة. لتفادي الأخطاء التي تجعل من تعلم اللغة الفصحى أمرًا صعبًا؛ ويكون ذلك بتصحيح الأخطاء التي يقع فيها الطفل عند تعلمه للغة أولاً بأول. وتحبيبه بل تشجيعه على التحدث بها واستعمالها منذ مراحل التعليم الأولى.
صحيح أن اللغة الفصحى لا يتكلمها الناس في كل وقت، فنحن نخلط بين العامية والفصحى أثناء كلامنا، ولكي نحافظ على الفصحى يجب أن نسلك طريقًا أخر وهو طريق القراءة. قراءة النصوص الأدبية من شعر ونثر وقصص وروايات وغيرها، وعلى رأس ذلك كله قراءة القرآن الكريم. وقد قال في ذلك ابن خلدون كلامًا رائعًا نسوقه إليكم: “ووجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة ملكة الفصحى أن يأخذ بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم من القرآن والحديث، وكلام السلف، ومخاطبات فحول العرب في سجعهم وأشعارهم. وكلام المولدين أيضا في سائر فنونهم؛ حتى يتنزل منزلة من عاش بينهم ولُقن العبارة منهم”.
هذا كلام العلامة بن خلدون يوضح أن تعلم الفصحى يقوم على كثرة الإطلاع على النصوص الفصيحة. وقراءة الكثير من تراثها وحفظ الجيد من نصوصها.
وأخيرًا، فإنها لغة رائعة غنية بأساليبها، عظيمة بتاريخها، باقية بخلودها، خالدة بعلومها. تستحق الدراسة والاهتمام، فهي فخر لمن يتعلمها، تقول عن نفسها عن طريق شاعرها “حافظ إبراهيم”:
أنا البحر في أحشاءه الدر كامن. فهل سألوا الغواص عن صدفاتي.