فن الرواية، هو فن الواقع الممزوج بالخيال وهي تجسيد لشكل الحياة في كل المجتمعات. وهذا الوصف ينطبق على كل الأعمال الروائية في مختلف الثقافات. ولعلك تلاحظ أن الرواية العربية في الوقت الراهن تمكنت من الوصول إلى جمهور عريض من القراء خاصة جيل الشباب الذي أصبح على اطلاع على كل ما يتم نشره ورقيًا أو إلكترونيًا. وقد أتاح الإنترنت الفرصة للكثيرين لكي يتعرفوا على كل ما يتم نشره. وأصبح بإمكانهم الاطلاع على مختلف الأعمال بسهولة.
والمتابع لإتجاهات الأدب في عالمنا العربي حاليًا يستطيع بكل سهولة أن يتعرف على خصائص الأعمال الأدبية بسهولة عن طريق التعرف على شكل الأعمال التي يتم إنتاجها ونشرها. ويمكنه التعرف كذلك على القضايا التي يتم تناولها. والرواية كشكل من الأشكال الأدبية ذات الانتشار والتي تجد إقبالًا كبيرًا من القراء. وهي أكثر أشكال الأدب تداولًا وأكثرها طباعة متفوقة على الشعر والقصة القصيرة والأعمال النقدية. وقد اتخذت منحيين مهمين في الحوار، فهناك من يميل إلى استخدام العامية لسهولة تعبيرها عن المعني والمقصود، وهناك من لا يزال ملتزمًا بالفصحى في السرد والحوار من باب المحافظة على جماليات اللغة وقدرتها الهائلة على التعبير. فما هي الموضوعات الحديثة التي تبنتها الرواية العربية في الوقت الراهن؟
تبنت الرواية في العالم العربي القضايا التي تهم المواطن العربي والمشاكل التي يعيشها. وهي في الحقيقة تعكس صورة لحال المجتمع وما يعج به المجتمع من أشكال السلوكيات سواء المسموح بها أو المرفوضة. فقد أتاحت الصراعات والمشكلات السياسية وما نتج عن ثورات الربيع العربي من قضايا. فرصة كبيرة للروائيين للتعبير عن تلك القضايا في شكل أعمال روائية. جسدت في أحداثها ما يعانيه المجتمع من تفكك وصراع وحروب أهلية وعرقية وطائفية ومظاهر للعنف والقتل والدمار والآثار النفسية والاجتماعية التي نتجت عن ذلك. كما تبنت فكرة تلك الآمال التي عجزت تلك الثورات عن تحقيقها.
وما زال للحب والعلاقات العاطفية منزلة كبيرة في الأعمال الأدبية، وخاصة الرواية، وتطورت صورة العاطفة في الروايات الحديثة. فلم تعد هناك تلك الصورة النمطية للفتاة المستسلمة التي تنتظر من الرجل التحرك نحوها. بل أصبحت لدينا جرأة كبيرة في طرح قضايا العاطفة، وما يتعلق بها من مظاهر تكنولوجية ارتبطت بالحب، فأصبحت رسائل فيسبوك وغيرها من وسائل للاتصال وسيلة للتعبير عن المشاعر ومتابعة مستمرة ومشتركة بين العاشقين. كما ظهرت نوعية جديدة من العلاقات العاطفية يمكننا أن نسميها الحب عبر الإنترنت. وعلاقات الحب بين أصحاب الجنسيات المختلفة. فلم تعد صورة الحبيبة القريبة أو بنت الجيران أو زميلة العمل أو الدراسة. بل تخطت قصص الحب كل حدود المكان بفضل العالم المنفتح عبر الإنترنت.
أما الاتجاه الذي بدأ في النمو والانتشار بصورة كبيرة فهو اتجاه الروايات التاريخية أو ذات النسق التاريخي التي يتم فيها إسقاط التاريخ على الواقع المعاصر، وهو اتجاه قديم ولكنه أعيد إلى الواقع، ربما لاستخلاص العبرة من أحداث التاريخ نظرًا لما يمر به العالم العربي من مشكلات سياسية واجتماعية كثيرة وخطيرة.
وهذا الاتجاه تبناه مجموعة من الكتاب الشبان الذين غاصوا في تاريخ المنطقة وجلبوا لنا الأحداث التي تمثل ما نعيشه وما يمكن أن يكون بناء على ما حدث في الماضي.
كما تبنت مجموعة من الروائيين الشبان قضايا معاصرة مثل. الهجرة غير المشروعة وما يعانيه الشباب الذي يحاول أن يقوم بتلك التجربة. بالإضافة إلى قضايا الشذوذ والانحرافات الجنسية. وقضايا الدين والإلحاد والثورة على القيم المتعارف عليها. ومن الاتجاهات التي لاقت رواجًا على مختلف العصور. وما زالت تتمتع بنفس الكم من الإبهار والجذب الحديث في مجال علم النفس والمشكلات النفسية والأمراض النفسية وما يتعلق بها من أحداث وما يترتب عليها أفعال.